#وزارة_الثقافة #مديرية_المسارح_والموسبقا تقيم #مهرجان_مسرح_الطفل لعام 2024 اعتبارا من 12-1-2024
#دمشق مسرحية (أخوة الجنون) بمناسبة يوم المسرح العربي على خشبة #مسرح_الحمراء
إعلان عن مسابقة النصوص المسرحية – الدورة الرابعة
#وزارة_الثقافة #مديرية_المسارح_والموسيقا احتفالاً بيوم الجاز العالمي تقدم Brass Temper 30نيسان على مسرح الحمراء ، الساعة السابعة مساءً

مسرح المونو دراما في سـورية.. فن شخصي للجميع

 مسرح المونو دراما في سـورية.. فن شخصي للجميع

تشكل عروض المونودراما في المسرح السوري خلاصة جهد جماعي على الخشبة؛ لكونها تنبع أولاً وأخيراً من هاجس الدفاع عن المسرح كفن شخصي أقرب إلى الشعر والفن التشكيلي منه إلى صيغة العروض الجماعية؛
حيث تعد مسرحية الممثل الواحد من أكثر أنواع المسرح صعوبةً على صعيد الكتابة والإخراج والتمثيل؛ ويسجل النقاد للمسرح السوري تفرده في هذه النوعية من العروض طوال خمسين عاماً ونيف من تأسيس المسرح القومي عام 1960؛ وتعد مسرحية «يوميات مجنون» للكاتب الأوكراني نيقولاي غوغول من أول عروض المونودراما السورية التي أعدها سعد الله ونوس وأخرجها الراحل فواز الساجر ليؤديها الفنان أسعد فضة لمصلحة المسرح التجريبي؛ لتكون فاتحة هذا النوع من الفنون على مساحة صالات العرض الوطنية. قدم بعدها الراحل ممدوح عدوان تجربة غنية من مونودرامات متعددة بدأها مع الفنان زيناتي قدسية في عرض «الزبال» بعد تقديم هذا الأخير من تأليفه وإخراجه لمسرحية «القيامة» التي تروي تفاصيل النكبة العربية عام 1948 عبر مونولوج طويل من الغناء والأسف والرثاء لواقع الحال العربي بعد احتلال الصهاينة لأرض كنعان.
يحفل المسرح السوري المعاصر بعشرات التجارب في مسرح المونودراما؛ ولاسيما تجربة المخرج والكاتب نمر سلمون الذي ابتعد في شغله عن صيغ المونودراما التقليدية؛ حيث قدم سلسلة من عروض المونودراما؛ كان آخرها منذ عامين في دار الأوبرا السورية بعنوان «لا تخشَ شيئاً فالموت إلى جانبك» مستبدلاً صيغة محاورة «المُخاطَب الغائب» بجمهور مسرح الاستعمالات المتعددة؛ وذلك عبر ثلاثة عروض تابعها المسرحي المغترب في إسبانيا بدأب وبحث متواصل؛ دامجاً السيرة الشخصية مع مستويات متعددة من الكتابة، جاعلاً النص المسرحي مفتوحاً ومُفكراً به على نحو ما يشبه «مسرح الجمهور الخلاق». فلقد أشرك الفنان سلمون المتفرج في عروضه المونودرامية عبر إتمام حبكة الحكاية تلو الأخرى؛ من دون إغفال شروط اللعبة التي تنهل بدورها من صيغة مسرح الحكواتي؛ لتصير هذه الشخصية بمنزلة لقاء بين أنواع من البوح والاعترافات الحميمة؛ فاستطاع سلمون أن يعبّر عن قلق الإنسان وخوفه الوجودي من نهاية محتومة تترقبه في كل لحظة من لحظات حياته؛ وذلك عبر حكايات «درايو الأندلسي» حيث قرر هذا الأخير الاختباء من الموت ومخادعته من خلال التخفي في جسد شخصية الحكواتي؛ مُمَرراً من هذا التمويه الدرامي الماكر الحكاية كمنقذ وحيد من آجال مكتوبة على جبين الكائن الإنساني.
ولم يتردد الفنان «سلمون» طالباً من جمهوره مساعدته لإتمام حكاياته عن الموت؛ فهذا المصير الذي لا يمهل أحداً حتى يتمم ما كان ينوي على فعله يحوّل مسرحية الممثل الواحد إلى تعددية باهظة من خلال توريط المتفرج في تفاصيل اللعبة المسرحية؛ ولنشاهد رجلاً مع زوجته يتحركان من على مقاعدهما الآمنة في عتمة المسرح ليتلوا حواراً ويتدربا عليه؛ ما جعل الجمهور ممثلاً متوقعاً في كل لحظة تستمر فيها أحداث هروب الحكواتي من شبح نهاياته المتنوعة. هكذا تمكن خريج المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1989 من إدارة لعبته اللافتة ليتحرك المخرج سلمون لتغيير شكل التلقي الحيادي في عروض المونودراما والتي تميل عادةً إلى شرح جوانب نفسية معقدة تُغرق الشخصية عادةً في استحضاراتها وتشنجاتها العصبية؛ فبعيداً عن التلقين والإملاء والمصادرة يسرد مدير فرقة «المسرح الخلاّق» عدة حكايات عن مصائر أناس لقوا حتفهم ضمن قالب ساخر لا تعوزه المرارة؛ مبرراً ذلك بعبثية الموت ولا معقولية خياراته؛ فيراهن الفنان سلمون صاحب أطروحة «الوجه المستتر للمسرح السوري المحتمل» من خلال مسرحياته على بناء نص شديد المرونة، خارجاً بذلك على إرث فن المونودراما الخاص بالخشبة السورية، هذا الإرث الذي كاد أن يتحول إلى كوابيس نفسية، وهذر لا نهاية له، متعمداً الاستغناء عن «الالتصاق الأحمق بالنص» كما يسميه أنطونان أرتو، نحو صياغة عرض تأخذ فيه العفوية قالباً شعبياً مدروساً، لتنتقل لغة مسرحية الممثل الواحد من هذيانات التداعي الحر، إلى الاعتراف بالحضور المادي والوجداني للجالسين على كراسي الفرجة؛ فموضوعة الموت في أعمال هذا الفنان لا تبني خطاباً سوداوياً بقدر ما تشير إلى إمكانية النجاة من التفكير العدمي بالحياة نفسها، الحياة كما يجب أن نعيشها كمهمة حيوية تنظر إلى وجودية الإنسان كمعطى معرفي يستحق المغامرة من أجله والبناء على إمكانية تطويره إلى متعة عارمة للعيش والتهام العالم.
بدوره قدم الفنان زيناتي قدسية روائع من مسرحيات الممثل الواحد على الخشبات السورية، فشخصية المونودراما التي ظلت طوال زمن العرض تصير جزءاً من فيلمٍ تسجيليٍ آسر أو نوعاً من المسرح الوثائقي الذي يأخذنا إليه صاحب «الكأس الأخيرة لسقراط» فبعد ثمانية وعشرين عاماً من تحقيق قدسية لمونودراما «حال الدنيا -1985» عن نص لممدوح عدوان، إضافةً لمسرحية «الطيراوي» التي أخذها المسرحي الفلسطيني عن قصتيّ «الطيرة» و«المدفع» لغسان كنفاني، عاد هذا الفنان الأصيل بعرضها الأقوى من تأليفه وإخراجه بعنوان «أبو شنّار» مقارباً مسرحية «القيامة» التي تحكي عن ذلك المقاتل الفلسطيني الذي شاهد رفيقه يُقتل أمامه، فدفن له بندقيته، ليعود ويبحث عنها فلا يجدها؛ لنشاهد من جديد تلك الطاقة الأخاذة لفنان من مقام «الزيناتي» كممثل نقتفي معه آثار أنفاسه مع كل غرغرة كلمات تندفع من روحه قبل أن تمر على لسانه؛ مع كل دخول وخروج من الذات وإليها لنكون مجدداً أمام درس حقيقي في صياغة مسرحية الممثل الواحد في «أبو شنّار».
هي خبرة سنوات تبلورت بعشرات الأعمال المسرحية التي خاضها هذا قدسية، ليست خبرة الممثل وحسب، بل هي خبرة الشاعر والفنان التشكيلي والنحات؛ خبرة جعلت من شخصية «أبي شنَّار» التي قدمها موسمين لمصلحة المسرح القومي أيقونة حقيقية لمأساة شعب بأكمله؛ إذ لا تتوقف رحلة الشيخ «محمود الجزماوي» الشخصية التي أداها الزيناتي عند زوال الحدود بين البلاد العربية؛ وبرؤية المناضلة جميلة بوحيرد ترقص فرحاً بين جموع المحتفلين باستقلال الجزائر عن فرنسا؛ بل تذهب نحو ما هو أبلغ وأكثر حسرةً في النفس؛ مسرحية لممثل واحد قادر على قراءة هذا الليل العربي الطويل.!
الفنان جهاد سعد خاض أيضاً تجربة مسرح المونودراما بحساسية نقدية لاذعة لمعنى الأنواع المسرحية؛ إذ قدم في مسرحيته «بيان شخصي» مع الفنان عبد الرحمن أبو القاسم فضاءً لممثل فريد على خشبة مسرح القباني؛ إلا أنه لم يرد أن يطلق أحد على عرضه بأنه عرض مونودراما، فالممثل هنا استعارة شاقة ولا يخضع لأي من التقييمات النقدية الجرائدية منها والمختصة، ممثل طاعن في اليأس كالإنسان الفلسطيني الواقف على مفارق حتوفٍ متنوعة، الفلسطيني المعروض للتغطيات الإعلامية الدسمة، شاهد عيان وسماع وموت في آنٍ معاً، هزائم متلاطمة العباب تمخر أنفاس هذا الرجل الساكن في حاوية الأفكار الكبيرة تأبيناً للقيم والشعارات الطنانة..ثم ماذا؟ يتساءل الرجل في ذات باله: «الحياة..الموت..الحرية..الهوية..أين هو موقع الإنسان الفلسطيني من هذه الكلمات»؟
هذا وسواه يمكن لمشاهد مسرحية «بيان شخصي» أن يسمعه متفاجئاً بطزاجة الجرح القديم، هنا الفلسطيني ليس ابناً لأحد، ليس صوتاً لتيارات سياسية أو إيديولوجية، إنه بيان شخصي للغاية عن الألم الفلسطيني الذي يقف بين كومتي جرائد يستخدم إحداها للوقوف عليها والتعلق بحبل المشنقة الذي بدوره لا يستطيع أن ينوء بأعباء الرجل العابر من 1984 إلى 1967 وصولاً إلى أوسلو وتوابعها، إنه حقاً يريد الانتحار رغم معرفته أن الحبل لن يحمل عبئه، انتحار معنوي يخلص إليه الممثل عبر شراكة في كتابة «البيان الشخصي» مع مؤلف المسرحية «مؤنس حامد»، لقد أنشأ كل من سعد وحامد والقاسم مستويات متباينة من الدلالة على خشبة المسرح؛ ليصيغ الفنان أبو القاسم خطبته العبثية عن مونودراما تحيل الفرد إلى شعب بأكمله على الخشبة، فالشخصية هنا لا تريد أن تسمع أو تشاهد المزيد من الأخبار، لا تريد أن تعرف كم صار عدد الشهداء من الأطفال والنساء والرجال، إنها تستخدم الجرائد التي تحاصرها يمنة ويسرى ككرسي للانتحار ليس إلا، مونودراما فيها الكثير من الشخصيات التي تتابع سرد حكاياتها عبر رجل واحد، حكاية الحكايات تبدأ ولا تنتهي، موسيقا جانبية تأتي من أطراف الخشبة، ثم يهوي الرجل مرةً أخرى من على تلال الصحف التي تحد حركته وتمتص صوته المغمد بالصدى..
بدوره قدم الفنان حكيم مرزوقي العديد من مسرحيات المونودراما اللافتة، بدأها مع الفنانة مها الصالح بعرض «عيشة» ومن ثم عرضه المونودرامي الثاني «إسماعيل هاملت» مع سامر المصري، ومن ثم كتابته للمخرج باسم قهار مسرحية «الساعة الأخيرة من حياة السيدة حكمت» كنص للخشبة أرادها على مسرح القباني فأن تذهب إلى هذا المكان هو أن تعرف مسبقاً أنك أمام اللعبة التي تبيح غيابات كثيرة؛ فبهذه التسوية البسيطة صعدت ثراء دبسي إلى الكرسي الموارب على الخشبة، وبدأت بقص الحكاية التي أخذتنا منذ بداية العرض إلى مونولوج طويل، اعتقد معه الجمهور أنه أمام مونودراما للأسف الذي اختزله صوت أم كلثوم، تماماً في أغنيتها الأولى مع محمد عبد الوهاب، وزيادة نسبة الردح في مقام الأغنية الملحمة، ليتركنا المخرج هذه المرة مع ذكرياتنا وذكريات شخصية «حكمت» في آنٍ واحد، وهو إذ يفعل ذلك لا يترك لنا متسعاً من الشرود أمام الساعة الأخيرة لسيدته.
هذه المفارقة التي التقطها حكيم في نصه الأجمل للمونودراما لا شك في أنها تفضح كل الجرائم الجمالية التي ارتُكِبت بحق المرأة النموذج، إذ غابت الكثير من تلك السيدات اللاتي كن موضوعاً لفنانيهن، وبالتالي لم تسمح الظروف بإعادة الموديل إلى كلية الفنون الجميلة في دمشق، فالمآسي التي يتذكرها الكثيرون من رسامي الزمن الجميل كفيلة بأن تقدم لنا أكثر من عرض مونودرامي؛ فلقد أكد مقترح المرزوقي وقهار مرة أخرى أن المرأة الموديل دفعت ثمن التعبيرية الفرنسية والألمانية؟. لكنها في المقابل استطاعت أن تصل إلى شكل «دورا مار» بيكاسو، لكنها في مواطن أخرى لم تتعد لوحات متشابهة لحارات دمشق القديمة.!
واستطاع المسرح القومي أن ينتج العديد من هذه العروض من دون أن تحظى بقرار صريح وواضح على استجلاب المسرح من عزلته ومن جمهوره إلى صالات العروض السورية؛ حيث تمتعت عروض المونودراما بجرأة فنية وفكرية عالية المستوى؛ مجسدةً هواجس جمهور رافقه منذ ستينيات القرن الفائت على كل من مسارح القباني والحمراء والأوبرا والعمال كما في عرض «ليلة الوداع» الذي قدمه القومي مؤخراً عن نص للكاتب جوان جان ولعبت بطولته الفنانة القديرة فيلدا سمور بجرأة فنية عالية. تجربة الفنانة الراحلة مها الصالح أيضاً في هذا المجال مهمة للغاية تمثيلاً وإخراجاً؛ لتقدم أكثر من عرض مونودرامي كان أبرزها «عيشة»، «الأيام الحلوة» لبيكيت، «خطبة لاذعة» ضد رجل جالس لماركيز، لتتجلى في هذه العروض قدرة الفنانة الراحلة على مقاربة فنون عدة لمسرح الممثل الواحد متعدد الشخصيات، سواءً من خلال البناء النفسي لهذه الشخصيات، أو حتى عبر الحلول الإخراجية المبتكرة لتحقيق فضاء مسرحي جماعي مع سينوغرافيا الخشبة، رغم كل ما يشاع أن هذا النوع من العروض كان واسطة عبور سهلة للمشاركة في المهرجانات العربية والدولية، نظراً لقلة فريقه الفني واقتصاره على ممثل واحد أوحد، وقدرته على التنقل بسهولة، لكونه «مسرح فقير» سهل الفك والتركيب من جهة ديكوره وأزيائه واكسسواراته.!

سامر محمد اسماعيل
تشرين