#وزارة_الثقافة #مديرية_المسارح_والموسبقا تقيم #مهرجان_مسرح_الطفل لعام 2024 اعتبارا من 12-1-2024
#دمشق مسرحية (أخوة الجنون) بمناسبة يوم المسرح العربي على خشبة #مسرح_الحمراء
إعلان عن مسابقة النصوص المسرحية – الدورة الرابعة
#وزارة_الثقافة #مديرية_المسارح_والموسيقا احتفالاً بيوم الجاز العالمي تقدم Brass Temper 30نيسان على مسرح الحمراء ، الساعة السابعة مساءً

«حساسية عالية» الرقص فوق الركام
ديما الخطيب 
جريدة تشرين

«حساسية عالية» الرقص فوق الركام ديما الخطيب جريدة تشرين

تشرين
02/05/2015
 

«حساسية عالية» الرقص فوق الركام

«الرقص لغةٌ أبدعتها الروح وأتقنها الجسد» بهذه المقولة ابتدأ عرض حساسية عالية صرخةَ الحب والسلام التي أطلقتها عالياً مجموعة من الشباب المبدع، الذين قرروا رفع صوت أجسادهم، ومحاربة الموت بالحياة، والكره بالحب، والعنف بالسلام، والدمار بالجمال، والمناسبة اليوم العالمي للرقص.

بحساسيةٍ عالية، قدم هؤلاء الشباب رسالتهم من دون كلمة واحدة، فرقصوا خلف شاشةٍ ضخمة شفافة، غنية بالصور والمواد الفيلمية، رقصوا فوق أنقاض الأبنية المدمرة إرهاباً وعنفاً، وطاروا فوق الشوارع المستباحة موتاً وقهراً، وتمايلوا بأجسادهم الغضة، ناثرين بذور الحب والسلام فوق خشبة مسرح وقعوا في حبها منذ الأزل، فقدموا عرضاً على مستوى عالٍ من التقنية والاحتراف، أثبت أن الرقص في سورية فن مهم لا ينقصه إلا قليل من الدعم والتشجيع.
نص كمال بدر، تناول فيه الوجع القابع في قلب كل سوري على هذه الأرض الخيرة، متحدثاً عن الصراع الداخلي الذي غزا قلوب السوريين، فتركهم حائرين عن حقيقة ما حدث، أو كيف ولماذا حدث؟
المخرج جمال تركماني رسم اللوحات الراقصة بقلب فنان تشكيلي، نال الألم من روحه حتى أصبحت تشابه وطنه في دماره، فقرر ألا يموت إلا راقصاً، متناولاً الذاكرة الفردية والجمعية للمجتمع السوري، وتفاصيلها خلال الحرب، ومعبراً في عموم اللوحات، عن عشق متجذرٍ في قلوب السوريين، لا يمكن أن يموت مهما ذُبح أو فُجّر، وإرادةِ حياة، لا يمكن أن يقف الموت في طريق صمودها.
فوق الركام، صمم أحمد جودة الرقصات التي لم تقارب مدرسة الرقص الشعبي السوري، بل تنوعت مدارسها بين «الموديل دانس» و«البانتل بلري» و«النيو كلاسيك دانس» وشيء من الرقص القريب إلى الشرقي من دون أن يكون شرقياً بالمعنى الحقيقي لهذا النوع، فحلق الراقصون على أنغام شرقية آسيوية، تنوعت بين الهندية والإيرانية والسورية القديمة اختارها كنان حسني، مع نكهة شرقية خفيفة، أضفت إلى الحب حباً، وإلى المتعة رؤية جديدة.
الموسيقا آسيوية في معظمها، أما الوجع فكان سورياً بامتياز، فأبدع الراقصون: ريم شحادة وماهر يوسف ومروة عثمان ومحمد كمحة ومروة العيد وملاك العيد، في تجسيد فن «المسرح الجسدي» ببراعة أذهلت الجمهور، الذي لم يخف عشقه لهذا النوع من الفنون، المحارب تاريخاً لاتصاله المباشر بفوبيا الجسد والشرف.
عناصر المسرح غزلت بأصابع جمال تركماني بحرفيةٍ عالية، مسخراً إلى جانب الرقص عناصر المسرح الأخرى، كالإضاءة والسينما، فقدم طلال لبابيدي مادة فيلمية ضاربة في القهر، مر فيها على المحافظات السورية التي غزتها الحرب، فحولتها بقايا ركام رقصت فوقها الحياة في لوحة جميلة، نثر فيها الراقصان طاقةً ايجابية مملوءة بالأمل والبناء والعمران، مختزلين عبر رقصتهم رسالة إنسانية في انتصار الحياة على الموت، ضمن ديكور بسيط غير مربك وغير مشتت، خدم القضايا المطروحة باحترافية عالية نسجها تركماني بجمالية فنان عاشق لحضارة الرقص، في فن احترف منذ خلقه الحب واعتنق السلام.
لوحة الطفلة «الملاك» على اسم مؤديتها الجميلة، تناولت صرخة الطفولة السورية، التي دفعت ثمن حربٍ لا ناقة فيها ولا جمل، رافقتها صورة لبحر هائج، تضرب أمواجه بلا رحمة أحلام أطفالٍ لم تتجاوز أعمارهم سن البراءة، قررت فيها ملاك رمي لعبتها بعيداً عن طفولتها، معتنقة بدلاً منها الخوف والانتظار، لتمر بيدين طريتين على الشاشة الشفافة التي رقصوا خلفها، طابعةً في أرواحنا صرخات استجداء ورجاء، أن دعونا بعيداً عن حروبكم، فنحن لا نتقن سوى لغة الضحك، وإذا بالسينما ترفع، أما أعين ضمائرنا فأرواح أطفالٍ بريئة، معتنقين بالوناتهم الحمراء، وقد لوح الدمع عيونهم الصغيرة في رسمٍ كرتوني مدهش، التقت فيه روح الطفلة الصغيرة بروحٍ أخرى لصبي متعلقٍ بدوره ببالونه الأحمر، لكنه بادلها دموعها بابتسامة سلامٍ وطمأنينة، وعانق يدها منطلقاً بعيداً عن عالم ما عاد يتسع لأرواحهم الطاهرة، فإذ بالكرة الأرضية محوطة بالنقط الحمراء المهاجرة ظلماً إلى السماء.
في رقصة حب جميلة تصارع راقصان بلوحة عشقية، فتناثر الورد الروحي في أنحاء المكان، وهي توقظ رجلها من وحدته، وتسحبه مكبلاً بأنوثتها إلى بحار حبها، لكن أي قصة حب جميلة تنتهي بالفرح! في الحرب لا نهايات جميلة، فالحرب ستدهس قلوبهم قبل أن يفرقهم «العُذال»، وستَئدُ أملهم بحياة طبيعية جميلة، من دون أن يرف لها قلب.
وفي لوحة الفتيات الثلاث، أظهرت الراقصات براعة عالية ليرافقهن الشابان بعد ذلك، فيخطفا فتاتين منهن عشقاً، وتمر دقيقة صمت مسرحية، فتوقفنا أمام أنفسنا في مرآةٍ روحية عرت العلاقات الإنسانية، فإذ بالمحبين يتخاصمون غيرةً أو تحكماً أو شوقاً أو إهمالاً، لتصالحهم صديقتهم، وهي ترقص ضيق وقت العمر، الذي لم يعد يتسع لخلافات بسيطة قد تدمر قلوباً لم تعد تحتمل المزيد من الدمار.
شام الخير والجمال، نثرت عبر لوحات دمشقية رائحة الياسمين التي ملأت المسرح حباً وحضارةً وسلاماً عبر مادة فنية خدمت العرض بشكلٍ جميل، لتنهي صرخة المحبة بصور دمشق مدينة السلام.
الرقص الذي أهمل طوال سنوات الأزمة، قدم صرخته في يوم الرقص العالمي بحساسية عالية، ليثبت أنه ما زال موجوداً رغم الحرب، آملاً أن يعود السلام إلى وطن السلام، ويعود معه مهرجان الرقص السوري، الذي توقف عن الرقص مع عُمر الحرب، في انتظار من يعيد تبني يتمه، ويبث فيه الروح من جديد.