لم تلغِ الحرب التي شرّدت أكثر من مليون ونصف المليون طفل داخل البلاد وخارجها مهرجان «ربيع مسرح الطفل السوري»؛ ففي دورته لهذا العام «مديرية المسارح (18- 29) كانون الثاني» قدّم المهرجان عروضه على معظم مسارح المدن السورية؛ لتشهد هذه التظاهرة إطلاق فعالياتها على خشبة الحمراء الدمشقية بعرض «يا شام» لمخرجه الفنان باسل حمدان وفرقته «أجيال» للمسرح الراقص؛ مفتتحةً بذلك أكثر من ثلاثين عملاً مسرحياً؛ تنوعت بين عروض الدمى ومسرح الكبار للصغار؛ إضافةً إلى مسرح خيال الظل والسيرك والاستعراض الراقص والمسرح التفاعلي، حيث شهد هذا الأخير إشراك الأطفال في العروض عبر الرسم والأشغال اليدوية.
العروض التي توزعت على صالات القباني والحمراء والعرائس ومسارح المراكز الثقافية؛ إضافةً إلى خشبات المسارح القومية في المحافظات شهدت إقبالاً لافتاً؛ عزاه البعض إلى انقطاع شبه تام للتيار الكهربائي؛ وصعوبة تأمين بديل آخر عن مدن الملاهي التي دمرتها سنوات الحرب الأربع؛ ليصبح المسرح ملاذاً أخيراً للعديد من العائلات السورية التي ملأت كراسي الفرجة؛ هاربةً من بيوتها الباردة وجحيم القذائف وأصوات الانفجارت نحو حكايات الطفولة الأولى. مجانية الدعوة العامة التي وجهتها وزارة الثقافة، ورغبة القائمين على هذه التظاهرة؛ وإصرار الفنان السوري على التخفيف من آلام البرد وفقدان الأبناء لآبائهم وغلاء الأسعار؛ دفعت بالعديد من الفرق الرسمية والمستقلة للانتصار للطفل وبراءته؛ ففي ظل موتٍ مجاني وعمومي أيضاً تدافعت عشرات الأسر لحضور عروضٍ من قبيل: «حذاء الطنبوري؛ مملكة الحكمة؛ المغامرون في الأمازون؛ سكان البحر، شارلي وحورية البحر؛ مملكة الصدَف؛ زيزون وزيزونة» فيما قدم الفنان فهد رحمون عرضه لأطفال حمص بعنوان «الأميرة النائمة». عنوان يترك المفارقة مفتوحة على كل التعليقات التي من شأنها رثاء مدينة الوسط السورية؛ والتي شهدت مؤخراً رحيل عشرات الأطفال، قضوا بتفجيرات إرهابية وهم على مقاعد الدراسة، في حين شاهد جمهور المتفرج الصغير في طرطوس «رجل الثلج، حورية البحر، زهرة المحبة»؛ أما في اللاذقية فقدم المسرح القومي عرضين بعنوان: «حكاية الذئب المغرور» و «السندباد» على خشبة دار الكتب الوطنية. الحدث الأبرز في ربيع المسرح السوري كان في حلب مع مسرحية «لعبة الموسيقى» العرض الذي شهد إقبالاً كثيفاً في مدينة تبدو هي الأكثر تجرعاً للموت اليومي؛ وانعدام الخدمات وشح الغذاء والدواء؛ إذ بدا هذا العرض بمثابة فسحة لجمهور غيّرته الحرب؛ تاركةً له خياراتٍ شحيحة للتنفس خارج أوقاتها الدموية. تماماً كما كان الحال في إدلب مع عرض «الملك فانوس يبحث عن ملبوس» بينما حضر جمهور الأطفال في الحسكة والقامشلي وحماه ومصياف لمتابعة المهرجان، بعيداً عن حربٍ يديرها آباؤهم في غير منطقة من الريف وضواحي المدن. حرب جعلت من المسرح ملجأ طبيعياً لأطفالٍ تم زجهم بلا رحمة في سعيرٍ صادَرَ مخيلة معظمهم، فيما جُنّد بعضهم الآخر للقتال، منخرطين في خطاب هو الأعنف من نوعه؛ فبعيداً عن مسارح الطفل ودماه الضاحكة يتم يومياً تنفيذ عمليات إعدام علنية بحق أطفال سوريين في المناطق التي يسيطر عليها «تنظيم الدولة الإسلامية» ــ «داعش» في حين تتلقى مجموعات أخرى من الأطفال تدريباتٍ خاصة للقيام بعمليات انتحارية!
سامر محمد إسماعيل
(دمشق)