عاجل
تشرين 11/09/2014 اسـتعارت عميان ميترلنك وتقنيـــة بيـرانديللو.. «إكليـل الدم» لزيناتي قدسية.. لازمة الصراخ والسواد ذاتها..
أحال المؤلف والمخرج المسرحي «زيناتي قدسية» خشبة الحمراء إلى مكان للصراخ في وجه الألم، في مسرحيته «إكليل الدم» أول عروض المسرح التجريبي لهذا العام، وذلك من خلال ثماني شخصيات تسير خلف كاهنها المتبصِّر وفي مقاربة جمعت بين نص العميان للكاتب البلجيكي ميترلنك وتقنية المسرح داخل المسرح للإيطالي لويجي برانديلو، لتحكي بطريقة غير تقليدية عن الظلم الذي يعانيه الإنسان السوري في خضم الحرب الإرهابية الشعواء التي يعيشها منذ ما يقارب الأربع سنوات، حرب أرخت بظلالها الثقيلة على تلك الشخصيات، فصوّرها المخرج على أنها لا تستطيع التصالح مع معاناتها وما تعيشه من ظروف استثنائية إلا عبر تغييب عقلها، ما يجعلها في صراع مستمر على أكثر من مستوى، المستوى الأول ذاتي والثاني جماعي، وكأننا أمام مواجهة متجددة مع قسوة الواقع ولا إنسانيته، وهذا ما كان يبرز بشدّة بعد أي بارقة جديدة لحلم أو أمل يطل -ولو من بعيد- ويزيد من قتامة ذاك الواقع وقسوة الخواء الذي حققه ديكور «زهير العربي» للخشبة إذ فُرِّغت من كل ما ينتمي للحياة الطبيعية، مقتصراً على بضعة «دواليب» ملأت المسرح، وأشجار عارية توسطته، إضافة إلى إضاءة (صممها نصر سفر وبسام حميدي) مائلة إلى الصفرة مع إظلام متكرر وما يوحيانه من سوداوية أحوال الناس في خضم الحرب وأمراض الواقع أثناءه.
صحوة ضمير
تطرح «إكليل الدم» أيضاً فكرة الجرائم التي يمارسها الإرهابيون عبر قطع الرؤوس والأوصال وأكل الأكباد وفقء العيون وانعكاسها على دواخل الشخصيات، وردود أفعالها، فذاك الوافد الجديد الذي يريد التخلص من آثامه وما صنع من شر، يصطدم بصحوة ضمير غير متوقعة تجعله بعد رضوخه لذاك المكان الغريب العجيب يقرر المغادرة، ولا تفلح محاولات المجموعة المستكينة لإقناعه بالبقاء، رغم إقناعهم له بأن العدالة مستحيلة، وبأن التخلي عن الأمل والجنون هو الحل الأمثل، وأنه يأتي بمنزلة منجاة له من كل الشرور، لكن الأسلوبية التي طرحت تلك الأفكار جاءت فجّة ومباشرة وتماثل قسوة الواقع ولا معقوليته، حتى إن تقنية «الميتا مسرح» لرواية تلك الأحداث المتخففة من الحكاية التقليدية لم تنجح في انتشال العرض من جموده، فالشخصيات كانت تفترض مجموعة من المشاهد للغوص في تفاصيل واقع الحرب وانعكاسها على طرائق التفكير وما تتركه من آثار على النفس الإنسانية، ولاسيما عندما تترافق تلك الحرب مع حرب أخرى يخوضها الفاسدون ضمن المجتمع ذاته الذي يعاني الويلات، لكن تلك المشاهد ارتهنت لأسلوبية واحدة، رغم الحيوية التي كان من الممكن أن تحققها ولاسيما في ظل التجريب وما يتيحه من خيارات متنوعة، لكن رغم الرغبة في الخروج بصيغة جمالية للمشهدية المسرحية، فإن صاحب «رأس الغول» أمعن في التكرار، عبر قيادة ممثليه بالأسلوب ذاته إذ جاء أداؤهم نسخة طبق الأصل عن طريقته في الحركة والكلام والسخرية والضحك وما إلى هنالك، وهذا ما أفقد العمل الكثير من جمالياته، وجعلنا أمام تكرارات غير محمودة لثمانية ممثلين يؤدون أدوارهم بالطريقة ذاتها.
كسر هذه الرتابة بعض الشيء وجود الفقرات الراقصة على إيقاع أغنية لأم كلثوم، إضافة إلى الفواصل الموسيقية المتكررة المنتمية إلى الروك والميتال والهندي وغيرها من دون أن تكون موظفة درامياً بالشكل الصحيح، فالراقصة الحُلم (جسّدتها «مروى العيد») وما أدته إلى جانب «جمال تركماني» لم تأتِ بجمال إلا من خلال كسر الأنموذج الطافح طوال فترة العرض إذ إن الممثلين كلهم رجال (أسامة التيناوي، قصي قدسية، رائد مشرف، أسامة جنيد، خلدون قاروط، فادي الحموي، زهير البقاعي، سامر الجندي، وزيناتي قدسية)، بمعنى، أن «إكليل الدم» كانت راهنة في أفكارها، تقليدية في رؤيتها الإخراجية، وكأنها صرخة في وجه الحرب بصوت متعب!!